Masjedpajoh.ir
Masjedpajoh.ir
Masjedpajoh.ir
المسجد والعلم والتربیة
چهار شنبه, 01 بهمن 1399

مقدمة

المسجد و الجامعة و المعهد و المدرسة حالة متکاملة لا یمکن الفصل بینهما، فقدیماً کان المسجد و الجامع مدرسة و جامعة اضافة الى کونه داراً لعبادة الله الواحد الاحد.

و من خلال المسجد انطلق الاسلام و تعالیمه الالهیة، و من خلاله ایضاً تربّى المسلمون و نشروا الدین الاسلامی الحنیف و من خلاله انطلقت الثقافة و الحضارة الاسلامیة ممتزجة بالروح الدینیة الالهیة.

و على هذا یُعدّ المسجد عنصراً اساسیاً من عناصر الدین الاسلامی الحنیف، فهو الحاضن الحقیقی للدین الاسلامی و کل ما یتعلق بالاسلام من علم و تربیة و احتیاجات الحیاة الاخرى.

و على هذا الاساس، لم یکن المسجد فی یوم من الایام محلاً للصلاة و العبادة فقط و انما المسجد هو الدین و هو الحیاة و هو الحضارة فی کل المراحل و الازمان و ان اهمله بعض المسلمین و قصروه على الصلاة و العبادة.

و فی بحثنا هذا تحدثنا عن تکامل المسجد و العبادة و العلم و التربیة من خلال العناوین التالیة:

  1. المسجد فی الاصل و اللغة
  2. بدایات المسجد
  3. المسجد مادة تربویة و مدرسة دائمة
  4. العلم و التربیة فی المسجد (القرآن)
  5. العلم و التربیة فی المسجد ( تعالیم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم)
  6. المسجد ( الدور و الانجازات )

و اخیراً اسأل الله تعالى ان یوفقنا فی خدمة المسجد و الدین و العلم، انه سمیع مجیب. 

المسجد فی الاصل و اللغة

المسجد فی الاصل هو محل او مکان للعبادة و الاتصال بالله العلی العظیم.

و فی اللغة العربیة کما یقول الفیومی فی مصباحه:

« المسجد من السجود  و السجود لله تعالى فی الشرع عبارة عن هیئة مخصوصة. و المسجد بیت الصلاة و المسجد ایضاً موضع السجود من بدن الانسان، و الجمع مساجد »[2]

و یقول الراغب الاصفهانی:

« و المسجد موضع الصلاة اعتباراً بالسجود و قوله ( و ان المساجد لله ) قیل عنی به الارض اذ قد جعلت الارض کلها مسجداً و طهوراً کما روی فی الخبر» [3]

و مثل ذلک قال مجمع اللغة العربیة بالقاهرة :

« المسجد مصلى الجماعة و المسجدالحرام الکعبة، و المسجدالاقصى مسجد بیت المقدس، و فی التنزیل ( سُبْحانَ الَّذی أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) جمع مساجد »[4]

هذا بعض ما ورد فی اللغة العربیة قدیماً و حدیثاً، و المعنى واضح، فالمسجد هو مکان للعبادة و الخضوع لله سبحانه و تعالى و السجود هو هیئة بشریة مخصوصة یخضع العبد من خلالها لربه خضوعاً بدنیّاً و روحیا امتثالاً لاوامره، و نیلاً لرضاه سبحانه و تعالى .

و بناء المساجد و حضورها فی البلاد الاسلامیة سمة اساسیة من سمات الدین الاسلامی الحضاری، فقد انتشرت المساجد الکبیرة و الصغیرة فی کل انحاء بلاد المسلمین، بل و حتى ضمن الاقلیات المسلمة التی تعیش خارج العالم الاسلامی.

و من المساجد الشهیرة فی الاسلام؛ المسجدالحرام و المسجدالنبوی و المسجدالاقصى و مسجدالکوفة و هناک مساجد مهمة اخرى لا مجال لذکرها هنا.

بدایات المسجد

فی البدایة کانت هناک اماکن بدائیة للعبادة، أماکن غیر محدّدة المعالم، قد تکون أرضاً منبسطة صغیرة و قد تکون تلّة أو بناءً بسیطاً و اشباه ذلک.

و فی مرحلة لاحقة ظهرت المعابد المنتظمة و خاصة فی الحضارات القدیمة الکبرى حضارات بلاد الرافدین و وادی النیل و بلاد فارس و الهند و الصین و غیرها.

و فی هذه المعابد عبد الناس الهاً واحداً أو آلهة متعددة، فقد عبد البعض الشمس او القمر او الزهرة او الحجر او الوثن او الصنم او الانسان او الحیوان و الطبیعة، و ما اشتهت انفسهم من المخلوقات.

و فی تاریخ الحضارات القدیمة عرفت أو اشتهرت اسماء بعض المعابد کمعبد الاقصر و معبد نبو و معبد اللات و معبد بعل و معابد اخرى کثیرة عند البابلیین و المصریین و الهنود و الصینیین و غیرهم من الامم القدیمة.

و بمرور الزمن، و تطور الحیاة ظهرت المساجد و المساجد الجامعة و المساجد الفخمة و الفنیة، ظهرت تدریجیاً لتودی وظائف عبادیة و انسانیة حیاتیة لیصبح المسجد فی الاسلام من صلب هذا الدین الحنیف و أحد أرکانه الاساسیة.

و مصطلح (المسجد الجامع) یطلق عادة على المسجد الکبیر او المسجد الجامع الذی تؤدی فیه صلاة الجمعة، فی حین یطلق لفظ المسجد على کل بیت من بیوت الله صغیراً کان او کبیراً.[5]

و المسجد فی الاسلام بشکل عام یتمیز عن سائر المبانی بوجود المئذنة و المحراب و المنبر. و فی البدایة کان المسجد عبارة عن قطعة أرض تحیط بها أربعة جدران أو خندق و فی جهة القبلة سقیفة محمولة على اعمدة من جذوع النخل أو عمد منقولة و لم یکن للمساجد الاولى مآذن.

و تطوّر المسجد الى بناء مئذنة او اکثر و هی موضع الآذان للصلاة .

و کانت المآذن الاولى رباعیة ثم اصبحت اسطوانیة.

اما المحراب؛ فهو عبارة عن موضع نصف مستدیر فی الجدار الذی بناحیة القبلة یصلی فیه الامام بالناس و کثیراً ما یزخرف بالآیات القرآنیة و النقوش الجمیلة.

و اما المنبر؛ فهو موضع مرتفع قریب من المحراب یرتقی درجاته الامام لیخطب فی الناس و خاصة أیام الجمع و الاعیاد.

و من منبر الرسول الاعظم علیه أفضل الصلاة و السلام فی المدینةالمنورة انطلقت تعالیم الاسلام و احکامه و تفصیلاته الاخرى.

و اذا اردنا ان نتحدث عن اول مسجد فی الاسلام فیمکن ان نذکر المسجد الذی اقامه الرسول الاعظم6 فی قباء قبل الهجرة و المعروف بمسجد قباء او مسجد التقوى ، و لم یصل الینا شیء عن تخطیطه.

ثم تلاه مسجد المدینةالمنورة (المسجد النبوی) أشهر مسجد فی الاسلام، المسجد الذی أسسه رسول الله 6 فی المدینۀ المنورة فی العام الهجری الاول، اسسه الرسول الاعظم باللبن على اساس من حجر.[6]

و فی هذا المسجد المهم قبر الرسول الاکرم محمد بن عبدالله 6و منبره الکریم و محرابه.

المسجد مادة تربویة و مدرسة دائمة

و اذا ما اردنا ان نتتبع جذور التربیة الاولى فی الدین الاسلامی، وجدنا ان الجذور الاولى هی المسجد نفسه، فهو المادة التربویة الاولى التی حظی بها المسلمون فی الاسلام و هو المدرسة التربویة الدائمة التی تمیّز بها المسلمون بین الدیانات الاخرى.

فمن المسجدالنبوی الشریف الذی بناه الرسول فی المدینۀ المنورۀ ،انطلقت تعالیم الاسلام و انطلقت معه اصوله و فروعه و التربیة الالهیة التی ارادها القرآن الکریم و الرسول الاکرم صلی الله علیه و آله وسلم.

فمن خلال منبر الرسول الاکرم صلی الله علیه و آله وسلم و منهجه التربوی الالهی شعت الانوار الاولى للاسلام، و من خلاله انطلقت الدعوة الاسلامیة الى کل ارجاء العالم، فکان مسجدالرسول فی المدینةالمنورة مدرسة سارت على نهجها المدارس اللاحقة یقول الشیخ طه الولى:

« ومما یجدر ذکره انه منذ امر نبیّ الاسلام (علیه الصلاة والسلام) ببناء الصفة فی المدینةالمنورة و جعلها مقرّاً للدراسة و المناقشة اخذت کافة المساجد و الجوامع تسعى طوال اربعة عشر قرناً الى السیر على الدرب نفسه کی تصبح اماکن للتعلیم و التحصیل بجوار رسالتها الروحیه »[7]

فلم یجعل الرسول الاکرمصلی الله علیه و آله وسلم مسجده (المسجدالنبوی الشریف) مجرد مکان للصلاة و انما جعله کذلک مرکزاً لالتقاء المسلمین و استماعهم الى تعالیم الاسلام و اوامره و نواهیه من فَمِ الرسول الاکرم، اضافة الى ذلک نظر الرسول من خلال مسجده الى شؤون الجماعة، فکانوا یتقاضون فیه، و بذلک اصبح المسجد فی عهده بیت عبادة و دار علم و دار قضاء، و ظلّ کذلک بعده مماجعل المساجد فی العالم الاسلامی تستحیل الى جامعات کبرى کما استحال المسجد منذ عهد الرسول الى دار ندوة کبرى یجتمع فیها المسلمون لمعرفة الاخبار السیاسیة و الحربیة[8] یقول الباحث السید هاشم معروف الحسینی تحت عنوان (الاعداد للمستقبل):

« لقد عرفت أن اول شیء قام به النبی صلی الله علیه و آله وسلم بعد أن استقر فی یثرب هو بناء مسجده و المساکن التی یحتاج الیها، و المسجد فی الاسلام کما یجمع الناس للعبادة و اداء فریضة الصلاة، کان ایضاً مدرسة للتعلیم و ندوة یجتمعون فیه للنظر فی جمیع شؤونهم الدینیة و الدنیویة و ملجأ للفقراء و المساکین یأوی الیه منهم من لا یملک مسکناً و لا یجد من یؤویه .

   و قد اعد منه النبی جانباً لأولئک البؤساء الذین لا یملکون شیئاً غیر ایمانهم بربهم و انقطاعهم الیه سبحانه، ثم بذل جهده فی توثیق الصلاة بین المسلمین من المهاجرین و الانصار و تذویب العصبیات و النزعات الجاهلیة التی کانت تتحکم فی مصیر الافراد او الجماعات و تجرهم الى الحروب و اراقة الدماء لما کان الحال بین الاوس و الخزرج الذین کانوا یتعرضون بین الحین و الآخر لحروب دامیة تراق فیها الدماء و تستباح الاعراض و الاموال .

و  استطاع فی برهة یسیره ان یعبئ نفوسهم بتعالیم الاسلام و الایمان برسالته بدون جبر او اکراه ، بل بالحکمة و الموعظة الحسنة، و أعطى الحق لاصحاب الادیان الاخرى ا ن یناقشوا او یناظروا و یبحثوا عن الحقیقة على ضوء ما تهدف الیه تلک الأدیان، و ما یدعو الیه الاسلام من عبادة الواحد الأوحد، و العمل للآخرة و الدنیا لیستقیم النظام و تنتظم الحیاة و یستوفی کل فرد نصیبه منها ، بدون بغی او عدوان او تحکم بالفقراء و المستضعفین من الناس. »[9]

هکذا کان المسجد و هکذا ظلّ المسجد فی امتداده التاریخی فی الحضارة الاسلامیة، کان مادة تربویه و مدرسة فی آن واحد منذ اللحظة التی اسس فیها.

العلم و التربیة فی المسجد (القرآن)

و من المسجد انطلق القرآن الکریم، و انطلق معه العلم و التعالیم القرآنیة المتنوعة، فابناء المسلمین تعلموا القرآن داخل المسجد و کبارهم علّموا القرآن و درّسوه و فصلّوا تعالیمه و ارشاداته و منهجه القویم فی التربیة و العلم و کل ما یمت الحیاة بصلۀ داخل المسجد ایضاً (و ان تعلموا و علّموا خارجه ایضاً).

و المسجد هو المنطلق الاساس للقرآن و انتشار أفکاره و تعالیمه و روحه و منهجه و ما یحتوی من مبادئ و اساسیات حیاتیه.

فالقرآن الکریم، کتاب الهی سماوی یحتوی على کل ما یتعلق بالانسان فی حیاته و آخرته یحتوی على العلم و المعرفة و مختلف الاصول و الفروع (و ان جاء مجملاً).

و فی الوقت نفسه جاء ببرنامج علمی و تربوی هدفه ایصال العلم الصحیح الخالی من الشوائب و التربیة الهادفة المناسبة للناس اجمع، لیعیشوا سعداء، و فی الوقت نفسه لیعرفوا خالقهم و مبدعهم من خلال ما خلق الله تعالى من مخلوقات و نعم.

لقد حفل القرآن الکریم بالعلم و الموضوعات المختلفة، و فی الوقت نفسه تضمن ثقافة التعلیم و التربیة اللازمة و کل ما ینفع العباد و البلاد.

فقدّم القرآن الکریم الى الناس کل ما یهمهم من تعالیم سواء للدنیا او الآخرة و من هذه الثقافة القرآنیة الالهیة بنى المسلمون حیاتهم و سلوکهم و حضارتهم العالمیة التی فاقت کل الحضارات البشریة فی العالم.

و قد زخر القرآن الکریم بالعلم و الاشاده بالعلماء و بالمنهج العلمی و التربوی، و کان ذلک الاسس العلمیة الحقیقیة للحضارات الاخرى.

و اذا اردنا ان نذکر الآیات القرآنیة التی نشرت الثقافة و الحضارة و التربیة الصحیحة فسنخرج عن طبیعة هذا البحث الصغیر.

فعلى مستوى اهتمامه بالعلم و طلب الزیادة فی العلم و المعرفة قال تعالى فی محکم کتابه الکریم:

« وَ قُلْ رَبِّ زِدْنی‏ عِلْماً »[10]

و دعا الى الزیادة فی العلم بقوله

 « وَ فَوْقَ کُلِّ ذی عِلْمٍ عَلیمٌ »[11]

و على مستوى اهتمامه بالعلماء ذکر القرآن الکریم منزلتهم الرفیعة، فقد قرنهم به و بملائکته بقوله تعالى:

« شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ »[12]

و خشیة العلماء اکبر من خشیة غیرهم قال الله تعالى:

« إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء »[13]

و لا یمکن ان یقارن العلماء بغیرهم ممن لا یعلمون قال عز من قائل:

« هَلْ یَسْتَوِی الَّذینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یَعْلَمُون»[14]

و فی فضیلة التعلّم ذکر القرآن الکریم قوله تعالى:

« فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ »[15]

و قال تعالى ایضاً :

« فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون‏ »[16]

اما فضیلة التعلیم فقد ذکر القرآن قوله تعالى:

« وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُون‏ »[17]

و قال تعالى ایضاً:

« وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ میثاقَ الَّذینَ أُوتُوا الْکِتابَ لَتُبَیِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَکْتُمُونَه‏ »[18]و هو ایجاب للتعلیم

و قال عزوجلّ ایضاً:

« ادْعُ إِلى‏ سَبیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتی‏ هِیَ أَحْسَن‏ »[19]

و هناک آیات اخرى مشابهة قریبة او بعیدة مما لها صلة بعملیة العلم و التربیة و التعلیم و هی کثیرة لا مجال لذکرها هنا ، و انما اوردنا ذلک لعلاقتها باهمیة القرآن من الناحیة العلمیة و التربویة و التعلمیة.

العلم و التربیة فی المسجد (تعالیم الرسول)

و اذا انطلق القرآن الکریم و العلم و التربیة من المسجد فان تفاصیل و شروح و تعالیم القرآن کذلک انطلقت من المسجد.

فقد انطلق الرسول الاکرم ـ و هو المصدر الثانی للعلم و التربیة و تعالیم الاسلام ـ انطلق لنشر العلم و التربیة و تعلیم الناس کل ما یحتاجونه فی حیاتهم الدنیویة و آخرتهم.

فکان الرسول محمد بن عبداللهصلی الله علیه و آله وسلم قطعة علم الهیئة تجری على الارض سواء بقرآنه الکریم او بخطبۀ الکثیرة او تعالیمه او تقاریره او افعاله أو سلوکه و کل حیاته، فهو العلم الالهی على الارض ارسله الله تعالى لیبلغ الناس کل التعالیم الالهیة فی مختلف المجالات جاعلاً المسجد القاعدة الاساسیة للتبلیغ و نشر العلم و التربیة الصحیحة.

و من مظاهر هذا الاهتمام بالعلم و الثقافة و الدین و نشرها بین الناس، هو الحث على قراءة القرآن، فقد ورد عنه قوله:

« یا بنی لا تغفل عن قراءة القرآن اذا امسیت، فان القرآن یحیی القلب المیت و ینهى عن الفحشاء و المنکر »[20]

و کان صلی الله علیه و آله وسلم یطلب الزیادة فی العلم آخذاً بما ورد فی القرآن « وَ قُلْ رَبِّ زِدْنی‏ عِلْماً » فقد کان یقول:

« اللهم انفعنی بما علمتنی و زدنی علماً »[21] .

و قال ایضاً:

«لا بورک لی فی صبیحة لا ازداد فیها علماً»[22]

و کان علمه منتقىً لا یطلب کل علم، فقد قال صلی الله علیه و آله وسلم:

« اللهم انی اعوذ بک من علم لا ینفع و قلب لا یخشع و من نفس لا تشبع »[23]

و کان یؤکد ان یکون العلم لله، فقد قال صلی الله علیه و آله وسلم :

« من طلب العلم لغیر الله، لم یخرج من الدنیا حتى یأبى علیه العلم فیکون لله و من طلب العلم لله، فهو کالصائم نهاره والقائم لیله ، و ان باباً من العلم یتعلّمه الرجل خیر له من ا ن یکون ابوقبیس ذهباً له فأنفقه فی سبیل الله »[24]

و لا شک ان العلم و الاهتمام بنشره کان یجری فی دمائه صلوات الله علیه وآله وسلم ، فهو دیدنه آناء اللیل و اطراف النهار، لانه انما بعث معلماً و مبلغاً الرسالة على اکمل وجه، و قد جاء عنه صلی الله علیه و آله وسلم انه قال:

« ان الله لم یبعثنی معنتاً ولا متعنتاً ولکن بعثنی معلماً میسراً »[25]

و من هذه الروایة نعرف أنّ اهم ما جاء فی بعثة الرسول الأکرم، هو التعلیم و التبلیغ و نشر العلم، فهو المعلم المیسّر لما جاء فی الشریعة الاسلامیة و ذلک ما اراده ابوه ابراهیم7 من بعثته حین دعا ربه قائلاً:

« رَبَّنا وَ ابْعَثْ فیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِکَ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ یُزَکِّیهِمْ »[26]

و قد استجاب ربه دعوته فی بعثة نبینا الاکرم محمد بن عبدالله صلى الله علیه وآله وسلم لذلک الغرض کما قال سبحانه وتعالى فی محکم کتابه الکریم:

« لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنینَ إِذْ بَعَثَ فیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ »[27]

فالرسول الاکرم6 و هو ابن المنطقة التی ظهر فیها الاسلام یتلو آیات الله الدالة على وحدانیتة و قدرته و علمه و حکمته و یعلّمهم الکتاب؛ أی القرآن الذی جمع کلمتهم و حفظ لغتهم و حثّهم على العلم و مکارم الأخلاق، و یعلمهم الرسول الاکرم کذلک الحکمة و هی وضع الاشیاء فی مواضعها.

و قیل ان المراد بها الفقه[28]

لقد کان النبی الاعظم صلی الله علیه و آله وسلم خیر من قام بالعلم و التربیة الصالحة اللذین حث علیهما القرآن الکریم خاصة، و تعالیم الاسلام عامة، و ذلک من خلال اقواله و افعاله و تقریراته و تأکیداته نشر العلم و اشاعة التعلیم فی اوساط الامة الاسلامیة، و کان مسجده النبوی الکبیر خیر مکان و منطلق؛ انطلق منه العلم و التعلیم و التربیة الاسلامیة الصحیحة. فکان علیه افضل الصلاة والسلام یقول:

« یا ایها الناس انما العلم بالتعلم و الفقه بالتفقه و من یراد الله به خیرأً یفقهه بالدین ، و انما یخشى الله من عباده العلماء »[29]

و یقول ایضاً:

« من تعلم باباً من العلم یعلم الناس أعطى ثواب سبعین صدّیقاً »[30]

و یقول ایضاً:

« تعلموا العلم و تعلموا للعلم السکینة الوقار »[31]

و هناک اقوال مشابهة اخرى تدل على اهتمامه الکبیر بالجانب العلمی و التربوی و الثقافی لا مجال لذکرها هنا .

المسجد الدور وا لانجازات

و ماذا انجز المسجد منذ نشأته، و ماذا قدّم فی تاریخه الطویل؟ و ما مدى دوره فی العملیة العلمیة و التربویة؟

لا شک کانت انجازاته کبیرة و عظیمة بکبر الاسلام و عظمته. فکان المسجد مهداً متیناً للاسلام، و کان مدرسة نموذجیة للاسلام الحضاری و کان روحاً و منهجاً قویماً دفع الاسلام الى کل العالم، ناشراً نوره و افکاره و تعالیمه، مربیاً خیر رجال الاسلام.

لقد مزج المسجد العبادة بالعلم بالتربیة بالاخلاق منذ بدایته لیتطور الى مدرسة و جامعة و معهد مهم من معاهد العلم فی الاسلام. و قد ظهرت اسماء مساجد شمخت عالیاً فی تاریخ الحضارة الاسلامیة، فاضافة الى المسجدالحرام و المسجدالنبوی و المسجدالاقصى ظهر جامع القرویین فی فاس الذی اسس سنة 245 هجریة، و کان جامع الزیتونة فی تونس الذی بنی فی القرن الثانی الهجری و الجامع الازهر الذی بنی فی سنة 359 هجریة و اخرى غیرها و هی فی الحقیقیة مساجد و جامعات فی الوقت نفسه. قدمت الدین الاسلامی مزیجاً بالعلم بالتربیة بالمنهج الصحیح.

یقول الشیخ طه الولی:

«و لست أبالغ حین أقول بان المسجد کان یقوم فی الماضی بنفس الدور الذی تقوم به المؤسسات الجامعیة فی حقول الثقافة و العلم و الفکر، ذلک ان اساطین العلماء الذین یعتز بهم الفکر العالمی، و یتباهی المسلمون فی الکلام عن آثارهم و تراثهم، ان هؤلاء الأساطین قد بدأ و احیاتهم العلمیة فی اروقة المساجد و عند سواریها. و لما أصابوا حظاً کافیاً من المعرفة تابعوا ارتیاد المساجد التی تعلموا فیها، لیؤلفوا حلقة جدیدة فی سلسلة اعلام الفکر الاسلامی و لیبثوا ما فی صدورهم من رصید الثقافة فی العدید من الطلاب الذین کانوا بدورهم یقبلون على هؤلاء العلماء فی مجالسهم و حلقاتهم و مواعیدهم فی المساجد کی یحملوا عنهم فیما بعد مشعل الثقافة الاسلامیة، و هکذا دوالیک»[32]

و یقول سید کمال سید جواد:

« و قد کان المسجد و لا یزال المرکز الاشعاعی للعطاء الفکری و الحضاری و المحور الذی یلتف حوله المسلمون و مرکز الدائرة الذی ینشد الیه المؤمنون و المحرک و المسدد... »[33]

و حول انجازات المسجد على مستوى التنوع العلمی و تخرج اعداد کبیرة من العلماء و الفقهاء و المربین یقول الشیخ محمد نورالحسن وکیل الجامع الأزهر:

و عندما صار کل منهما ( أی الأزهر و جامع القرویین ) مقراً للدراسات الاسلامیة و العربیة تناولت فیها الدراسة جمیع فروع المعرفة المختلفة التی یتکون منها التراث الاسلامی و العربی.

فبجانب علوم اللغة و الفقة و علوم التفسیر و الحدیث و العلوم الاخرى الدینیة کانت الطبیعة و کان الطب و کانت الریاضة و کانت الفلسفة، کل منها یکوّن جانباً من جوانب فروع المعرفة التی عنی بها الازهر و جامع القرویین. و کان لکل فرع من هذه الفروع علماء مبرزون هنا و هناک یُرحل الیهم طلاب العلم و یقیمون لدیهم فترة طویلة او قصیرة للتلمذة علیهم فی موضوع المعرفة و التعرف على منهجهم فی البحث.

و کان من اشهر العلماء فی الازهر: ابن الحاجب و خلیل، و الخرشی و الزرقانی و العدوی و الدّردیر و الامیر و البنانی و السبکی و جلال الدین المحلی و السیوطی، و شیخ الاسلام زکریاالانصاری و ابن حجر و العینی و الاسنوی و الاشمونی و الصبّان و الملوی، و ابن الهیثم الذی وضع الاسس العلمیة لنظریات نیوتن فی الطبیعة.

و کان من اشهرهم فی القرویین الأئمة العلماء: الحافظ احمد بن علی بن قاسم الزقاق و المفتی محمد بن قاسم القصار، و الفقیه احمد بن محمد بن یوسف الصنهاجی، و المتکلم ابوعمر الشلاّلجی و هو من طبقة ابی المعالی الجوینی فی الشرق و المحدث ابن رشید السبتی و الحافظ ابوالعلاءالعراقی، و اللغوی ابن زاکور، و الریاضی ابن البناء المراکشی، و الطبیب ابوالقاسم الوزیر.

و على هذا یکون المسجد فی الاسلام عنصراً اساسیاً و رکناً قویماً من الارکان التی قام علیها الدین الاسلامی الحنیف و العلم فی الاسلام و الحضارة الاسلامیة الزاهرة فقد احتضن المسجد مختلف العلوم و افرز عدداً کبیراً من العلماء و العظماء و بذلک ازدهر العلم و الحضارة الاسلامیة. و مثل هذا لم یحصل فی الدیانات الاخرى.

 

المصادر والمراجع

القرآن الکریم

  1. بحارالانوار، محمد باقر المجلسی / بیروت
  2. التذکرة الحمدونیة ، ابن حمدون ، بیروت
  3. تفسیر الکاشف ، الشیخ محمد جواد مغنیة ، بیروت / دار العلم للملایین
  4. سیرة المصطفى نظره جدیدة ، هاشم معروف الحسینی ، منشورات الشریف الرضی/ قم
  5. صحیح مسلم ، مسلم بن الحجاج / بیروت
  6. مجمع الزوائد و منبع الفوائد ، نور الدین الهیثمی / بیروت
  7. محمد خاتم الرسل ، د. شوقی ضیف ، دارالمعارف بمصر ، القاهرة
  8. مساجد ایران ، دراسة تاریخیة حضاریة آثاریة فنیة ، سید کمال حاج سید جوادی ، دار سروش للطباعة و النشر ، طهران 1375هـ
  9. المساجد فی الاسلام ، الشیخ طه الولی ، دار العلم للملایین ، بیروت 1988م
  10. المصباح المنیر، احمدالفیومی ، منشورات دارالهجرة / قم
  11. المعجم الوسیط ، مجمع اللغة العربیة بالقاهره ، اوفست بیروت
  12. معجم مصطلحات العمارة و الفنون الاسلامیة ، د.عاصم محمد رزق ، مکتبة مدبولی ، القاهرة 2000م
  13. مفتاح السعادة و مصباح السیادة ، طاش کبرى زادة / بیروت
  14. المفردات فی غریب اللغة ، الراغب الاصفهانی / دارالمعرفة بیروت
  15. موسوعة المورد ، منیر البعلبکی ، دارالعلم للملایین / بیروت
  16. المیزان فی تفسیر القرآن ، سید محمد حسین الطباطبائی ، مؤسسة الاعلمی ، بیروت

 

پی نوشت ها:


[1] - باحث فی التراث العلمی الاسلامی

[2] - المصباح المنیر ، الفیومی ص 266.

[3] - المفردات فی غریب القرآن ، الراغب الاصفهانی ص 224.

[4] - المعجم الوسیط ، مجمع اللغة العربیة بالقاهرة ، ج1 ص417 .

[5] - موسوعة المورد ، منبر البعلبکی ج7 ص69 .

[6] - معجم مصطلحات العمارة ص 282 .

[7] - المساجد فی الاسلام ، طه الولی ص 165 .

[8] - محمد خاتم الرسل ، شوقی ضیف ص 158 .

[9] - سیرة المصطفى نظرة جدیدة ، هاشم معروف الحسنی ، منشورات الشریف ، ص275-276 .

[10] - طه ، الآیة 114

[11] - یوسف ، الآیة 76

[12] - آل عمران ، الآیة 18

[13] - فاطر ، الآیة 28

[14] - الزمر ، الآیة 9

[15] - التوبة ، الآیة 122

[16] - الانبیاء ، الآیة 7

[17] -0 التوبة ، الآیة 122

[18] - آل عمران ، الآیة 187

[19] - النحل ، الآیة 125

[20] - التذکرة الحمدونیة ، ابن حمدون ، ج1 ص54

[21] - بحار الأنوار ، المجلسی ج3 ، ص70

[22] - مفتاح السعادة ومصباح السیادة ، طاش کبرى زادة ، ج1 ص 4

[23] - صحیح مسلم فی الذکر والدعاء ، باب التسبیح رقم 2722

[24] - مفتاح السعادة ومصباح السیادة ج1 ص10

[25] - صحیح مسلم ، الطلاق رقم 1488  

[26] - البقرة ، الآیة 129

[27] - آل عمران ، الآیة 164

[28] - تفسیر الکاشف ، محمد جواد مغنیة ، ج2 ص 133

[29] - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهیثمی ، ج1 ص 133

[30] - مفتاح السعادة ومصباح السیادة ، ج1 ص13

[31] - مجمع الزوائد ، ج 1 ص 134

[32] - المساجد فی الاسلام ، طه الولی ص 163

[33] - مساجد ایران ، د.سید کمال سید جوادی ص 5 ، 137 هـ

ثبت دیدگاه